رياضة

التحرش وكرة القدم النسائية: الخطر الأكبر الذي يهدد اللعبة

تعج كرة القدم النسائية بجرائم التحرش الجنسي، وهو ما يجب علينا تناوله بشيء من التوضيح قبل بداية الدوري المصري للسيدات بمشاركة الأهلي والزمالك لأول مرة.

future صورة تعبيرية (التحرش وكرة القدم النسائية)

قبل أيام قليلة وجهت اتهامات للملياردير المصري الراحل ومالك نادي إيفرتون السابق محمد الفايد تتمحور حول الاعتداء الجنسي على أكثر من 20 موظفة سابقة عملن معه، وقد علق الاتحاد الإنجليزي على الأمر بأنه يراقب الوضع جيداً، بينما أكد مدرب فريق سيدات إيفرتون خلال الفترة ما بين 2001 و2003 أنه تم حماية سيدات الفريق لأن الجميع كان على علم أن الفايد يحب الفتيات الشقراوات الصغيرات في السن!

بعد أيام قليلة يبدأ الدوري المصري لكرة قدم السيدات، علماً أن تلك ليست النسخة الأولى للدوري لكنها النسخة الأولى التي يشارك فيها أندية الأهلي والزمالك، وهذا معناه ببساطة مزيداً من التغطية الإعلامية ومزيداً من الاهتمام ومزيداً من التحرش في تطبيقات التواصل الاجتماعي.

لا رابط أساسياً بين الحدثين بالطبع إلا أمراً بسيطاً، ألا وهو الربط المتوقع عادة بين كرة القدم النسائية وجرائم التحرش الجنسي، تعج كرة القدم النسائية بجرائم التحرش الجنسي وهو الأمر الذي علينا أولاً تناوله بشيء من التوضيح.

تقبل التحرش من أساسيات اللعبة

أكبر ما يعيق إدانة التحرش الجنسي بوصفه جريمة هو محاولة تبريره ووضعه في نمط ثابت، لذا قد تجد في جرائم التحرش الجنسي في كرة القدم دليلاً واضحاً على عدم صحة التنميط المعتاد الذي يتناول النساء أنفسهن رغم كونهن الضحايا.

في أفغانستان اتُهم رئيس اتحاد كرة القدم كرم الدين كريم بالاعتداء الجنسي على عديد من اللاعبات الشابات من المنتخب الوطني، وأوقف مدى الحياة عن ممارسة أي نشاط متعلق بكرة القدم وفرض عليه غرامة قدرها مليون فرنك سويسري من قبل الفيفا.

هل تعتقد الآن أن الأمر له علاقة بثقافة الشعب، فقد حُظر لعب السيدات لكرة القدم في أفغانستان لسنوات عديدة. حسناً، في الأرجنتين حيث يلعب الجميع كرة القدم، زعم عدد من لاعبات كرة القدم البارزات أنهن تعرضن للتنمر والتحرش الجنسي من قبل مدرب فريق الشباب.

ربما ما يربط أفغانستان والأرجنتين هو تردي الحالة الاقتصادية دون شك، لكن ماذا عن كندا، حيث تم توجيه عديد من الادعاءات بالاعتداء والتحرش الجنسي ضد مدرب فريق فانكوفر وايتكابس السابق ومدرب منتخب كندا للسيدات تحت 20 عاماً بوب بيراردا مما أدى إلى القبض عليه لمعاقبته على ست تهم تتعلق بالاستغلال الجنسي وتهمتين بالاعتداء الجنسي وتهمة واحدة تتعلق باستغلال الأطفال على مدى فترة 20 عاماً بين عامي 1988 و2008.

أما في الولايات المتحدة فقد توصل تحقيق مستقل استمر عاماً حول سوء السلوك الجنسي في كرة القدم النسائية إلى أن الإساءة وسوء السلوك الجنسي أصبح سلوكاً منهجياً يمتد إلى عديد من الفرق والمدربين والضحايا، هذا لأن تلك الإساءات متجذرة في ثقافة كرة القدم النسائية ذاتها، بدءاً من دوريات السن الأصغر التي تعمل على تطبيع التدريب المسيء لفظياً وتطمس الحدود بين المدربين واللاعبين.

ومن الأمثلة على سوء السلوك المدرجة في التقرير وجود مدرب يعرض على لاعبة مواد إباحية أثناء ما كان من المفترض أن يكون مراجعة لفيلم المباراة ويمارس الاستمناء أمامها، وآخر أجبر اللاعبين على إقامة علاقات جنسية. وقد انتقد التقرير الذي ترأسته نائبة المدعي العام الأمريكي السابقة سالي كيو ييتس دوري كرة القدم الأمريكي للسيدات، وحذر من الانتهاكات المحتملة في كرة القدم للسيدات.

حسناً يبدو أن الأمر لا نمط له ولا مبرر، ويبدو كذلك أنه كلما توسعت التحقيقات جاءت النتائج أكثر فزعاً، لكن بمزيد من التدقيق ربما نصل سوياً إلي ما وصلت له ميج لينيهان في مقالتها عبر «ذا أتليتيك» وهو أن إحدى القواعد المؤسسة لكرة القدم النسائية هي الاستعداد للصمت، ومع محاولات تلك اللعبة لكسب الزخم فقد نُظر دوماً إلى أي جدل على أنه تهديد لوجود تلك الرياضة من الأساس.

هكذا شعرت النساء في هذه الرياضة بالعجز، إذ أدركن أنهن يجب أن يلتزمن الصمت بشأن المدربين غير المحترمين وسوء المعاملة، كما تم تثبيط الحديث عن بعض العلاقات الشخصية. ولم يكن الأمر مجرد إخفاء للحقيقة، بل كان على الجميع وضع وجه سعيد أثناء هذا الإخفاء خوفاً من مصير غير آمن في لعبة لا يحبها أحد.

الفيفا ودور غير حقيقي

طبقاً للصحفي ساميندرا كونتي فنحو 10 في المائة من الاتحادات الأعضاء في الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا والبالغ عددها 211 اتحاداً، تنتشر التحرشات الجنسية والاتهامات ذات الصلة على نطاق واسع بدءاً من المدربين وحتى رؤساء الاتحادات.

أجبر هذا الاتحاد الدولي لكرة القدم أن يعد بإنشاء كيان رياضي عالمي آمن، وهو ما تطور عملياً لتأسيس فكرة إنشاء هيئة رياضية آمنة إلا أن الأمر لم يتعدَ أبداً كونه فكرة لم تبارح موقعها نحو حيز التنفيذ.

ربما يعود السبب كما ذكرنا سلفاً أنه مع كل توسع في تحقيق حول التحرش الجنسي في كرة القدم النسائية تطول قائمة المتهمين مما يشكل خطراً على اللعبة ذاتها!

في مصر: التحرش المغلف بالفكاهة

حسناً دعنا نعود للبداية، ماذا عن كرة القدم النسائية في مصر، هل تعتقد أن الوضع هنا استثناء عن القاعدة؟ لا نملك إجابة قاطعة الطبع، لكن في المقابل نملك ألا أكون حلقة في سلسلة التحرش الذي يقابل بالصمت عادةً.

دعنا نتحدث صراحة عن الأمر؛ قليلاً ما يتبنى أحد في دوائرنا المقربة رأياً موضوعياً عن كرة القدم النسائية حتى وإن ذهب هذا الرأي إلى عدم الاعتراف بتلك اللعبة لاختلاف المقومات الفسيولوجية مع عدم اختلاف قواعد اللعبة بين الرجال والنساء، وهو الرأي الوجيه بالمناسبة، هذا لأن السمة الغالبة في تناول تلك اللعبة بين الرجال هو التقليل منها بشكل غير موضوعي بل والتعامل معها كمادة دسمة للتنمر والتحرش الصريح المغلف بشيء من الفكاهة.

سيبدأ دوري السيدات في مصر بمباراة بين القطبين، فهل يشك أحد أنه بمجرد أن تذاع المباراة ستمتلئ تطبيقات التواصل الاجتماعي بمنشورات تتناول أجساد اللاعبات بشيء من الغزل وكثير من التنمر؟ الإجابة يعرفها الجميع.

 وهنا يبرز سؤال مهم؛ هل تلك المنشورات التي تعتمد بشكل أساسي على الفكاهة هي نوع من التحرش أو بمعنى أدق هل تسهل فكرة التحرش تلك؟

وفقًا للدراسة التي قام بها ميرياد مولوني وتوني لوف حول وجهة نظر علم الاجتماع في ما يتعلق بممارسة الكراهية ضد النساء عبر الإنترنت، فإن الفكاهة تحديداً تُستخدم كأداة قمع ذكورية ضد النساء، هذا لأن الفكاهة تعمل عادة بطريقتين للمساعدة في عملية القمع تلك، الأولى كستار دخاني لممارسة السلطة بشكل أقل صراحة، والثانية وهي الأهم لطمس الحدود بين الفكاهة بمعناها الحقيقي والمضايقة والتحرش وهنا مربط الفرس.

ما يمارسه البعض تحت راية الفكاهة والكوميديا على وسائل التواصل الاجتماعي هو نوع من التحرش الصريح الذي بدوره يترك انطباعاً سائداً بأن لاعبات كرة القدم مادة منطقية للتحرش لمجرد أنهن يمارسن رياضة يغلب عليها النزعة الذكورية بين الجماهير، وهو ما  يتحول إلى تحرش جسدي مباشر يقابل أحياناً بالصمت المرير.

لذا وقبل أن يبدأ هذا الدوري المنتظر، أرجوك لا تكن حلقة في تلك السلسة الآثمة.

# كرة قدم # كرة القدم النسائية

كيف جمعت كرة القدم بين الخبث والجمال؟
كيف أتت الشركة الألمانية بنظام الدوري الجديد؟
تبادل القمصان: التقليد الكروي الذي قد يجعلك مليونيراً

رياضة